محمد بن هذيل
هذا الشاعر من قرية صبيح قرب الرس وينتسب في إحدى
قصائده إلى قبيلة السبعه من عنزه· عاش كغيره من
أبناء وقته عيشة الفقر والعوز وكان سيء الحظ مما
زاد بؤسه بؤساً وشقاءه شقاءً· استدان مبلغاً من
المال اشترى به إبلاً لمتح الماء وحفر البئر ونصب
عدة السانية وبذر الحب وفلح· وحينما أشرف الزرع
على الحصاد وقبل أن يجني ابن هذيل ثمر جهده وكده
أرسل الله عاصفة بردية اجتاحت زرعه وحولته إلى
غثاء· ولكن هذا لم يثن من عزمه، كيف والدائنون
وراءه يطالبون بالتسديد! فحاول مرة أخرى· إلا أن
إبل السانية "المعاويد" أصيبت بمرض "السلاق" فماتت
جميعها قبل موسم الحصاد فهلك الزرع· ولم يبق أمامه
وسيلة لتسديد ديونه وستر عرضه أمام إلحاح الدائنين
إلا تسخير موهبته الشعرية لاستجداء من يؤمل فيهم
الخير من أصحاب الأربحية وأهل المعروف· فمدح محمد
العبدالله الرشيد وابن هذال شيخ العمارات ونقا
الشطير من مشايخ حرب· ولقد استقيت هذه القصائد
الثلاث من جدي محمد السليمان الصويان إلا أنها مع
الأسف غير كاملة ولم أعثر على أحد يعرفها· وها
أنذا أوردها - وإن كانت ناقصة - حيث يعوض عن نقصها
متانة حبكها وجودة أسلوبها·
1) قصيدته في محمد العبدالله الرشيد:
يالضيغمي جيتك من الناس مختار
يامودعٍ روسٍ قواسي تلينا
شيخ الشيوخ ان كان عمين الابصار
ضاقت على ربعه وقالوا بلينا
شيخٍ تِظَهّر للعساكر بتدبار
ولا ظهر مثلك على الطفتينا
للضد مثل الحضف في موحش الغار
وللي يود الطف من ام الجنينا
لعل عودٍ عَقّبك ما يجى النار
عساه بالجنه مع المومنينا
عَقّب غْلامٍ كنّه الحر وان طار
صقرٍ الى اوما يفرح القانصينا
تلقى مداسك فيه حافر وقبّار
ومن غب كونك كل قلبٍ حزينا
ابي ذلولٍ سابقٍ ياحجا الجار
قل جتك هي وايّا الكلايف وشينا
خَطْرٍ توافق مثل موجات الابحار
ونفرّح اللي قفونا محترينا
2) قصيدته في ابن هذال:
عَدّيت انا راس حمرا رجمها عالي
وانا مريح الخواطر قبل اوايقها
ولّفت في راسها من زين الامثال
واعدّل ابيات قيلٍ لين اوافقها
ياراكبٍ فوق حمرا تقطع اللال
بعيدة الزور عن حِرْوَة مرافقها
عامين ترعى الحيا بِدْعوب ما سال
ترعى قرارٍ زهى له في مدافقها
من عندنا نَحّرَه لمزبّن الجالي
سِتْر العَذارى ليا طارت بخانقها
ابو عقيلٍ عْداه فْداه ما حال
شْيوخ ضِدّه قِطَعْها من مَرازِقْها
ان قَرّبوا له نهار الكون مشوال
سبحان ربٍ وقاها كيف يوثقها
وان صاح صايح وقالوا هَجّوا المال
رَكْبوا عليهن عرايا من مَعارِقْها
الى اعتزى الشيخ راع الماكر العالي
الكل منهم عن الاهواة يِمْرِقْها
لى اوما على الخيل جَنِّك صِمْع جِفّال
مثل الفهد للجميله يوم يَصْفِقْها
هَجّن هَجّة غنيمٍ ما لها والي
شافن ذيبٍ يْزَعّج في رفايقها
شافن ذيب السرايا شهب الاذيال
ظَنَّنْ ظَنًّ قِليلاتٍ عَتايِقْها
عَنيت من نجد يَمِّك يابن هذال
لي حاجةٍ وارجي ان الله يوفقها
الدين ياريف الانضا موزيٍ حالي
غَديك من باقي الضيقات تعتقها
3) قصيدته في نقا الشطير:
لى صاح صيّاح الضحى والدبش زيح
وطقّوا بْقاسي روسهن كل مِصْراع
نِقا الشطير مْعَوّدٍ هَبّة الريح
لى طار من صم الرمك جرهد القاع
رَكّاز مِهْتَشّ الغلب بالنحانيح
الى اقبلن ارقابهن مثل الانباع
ضيّق عليهن السهال الصحاصيح
كِنِّه يْضَرّبْهِن على بعض الارواع
واقفن هِرَّابٍ باهلهن مدابيح
والعلط باوراك المداريع شراع
قال الراوي معلقاً على هذه القصيدة:
ما ادري والله وِشْ بَعَد يقول نِسيت باقي
كلامه لكن انّه كلامٍ يْوَحّش الله يبلاه·
والاه يَهَذْب الكلام على الشطير والى حرمة
الشطير - بنت لابن ربيعان من عتيبة -
مِرْتَكْيِةٍ على مِقْدم البيت
وتسمع وهو يهذب عليه الكلام· يوم انه قِضى
مْتِكَلِّم قال: شف ذود العِقّر
تَخَيّر لك ناقه، يقوله هو، الشطير· قالت عاد
هي، مْرِتُه: هيه الناقة لو تِجيها خيل بني
صخر ما اظهرتها من ولايفها لكن اقرن لك ثنتين
وعساك تَقْدَرْهِن· ايه لاجل انه سلمك الله
مادحٍ اهله بتال الكلام·
ويقال أنه بعد ما تقدمت السن بالشاعر ابن هذيل رغب
في أن يجرب حظه مرة أخرى وقرر أن يحتفر لنفسه
بئراً وينشىء فلاحة صغيرة تكون مصدر رزق وترويحاً
عن النفس· فتنحى عن بقية المزارع وحفر بئراً في
حزن مرتفع فشرع يحفر وصرف كل ما يملك في حفر ذلك
البئر· إلا أنه قبل أن يصل الماء بقليل كان حظه
التعيس له بالمرصاد فوافق صخرة صماء صلدة تكسرت
عنها المعاول دون أن تؤثر فيها· فقال له جماعته:
أنت تعلم أن حظك سيء فلماذا تغامر وتحفر في مكان
لم يجربه أحد غيرك من قبل؟ ألا نزلت إلى السهل حيث
التربة لينة والماء قريب ومضمون! انزل واحفر بئراً
بالقرب من الآبار الأخرى لتضمن العثور على الماء·
فانصاع لنصيحتهم إلا أن حظه في تلك المرة لم يكن
بأحسن منه في المرة الأولى حيث قابل نفس الصخرة
كما لو كانت عدواً لدودا يتربص به، فقال في ذلك:
يقول السبيعي والسبيعي محمد
وِجَع الكبر ما اظن فيه طبيب
وجودي على عصر الصبا وجد مولع
بمصافق العيرات طاح صويب
صويبٍ وَشفْقٍ بالحياة وْخِلِّي
يصيح ولا له بالصياح مجيب
خِلّي بدارٍ خَلْوةٍ الانس بالخلا
خلْوٍ جنابه ما عوى به ذيب
ولا تْناس الا على اكوار ضِمّر
كْبار الثنادي والغوارب شيب
ياعونة الله ياربوع غدوا لنا
جْمال المحامل والحصى وخشيب
اعني مبارك والفهود عْياله
عساهم في طيبٍ يجيهم طيب
بدعت بْجَوٍّ فيه تسعين عيلم
لقيت ضلعٍ ما لقيت قليب
وقالوا تََرَفّض عن شِفا الحَزِم
بالسهل وصار الصفا لي سهمه ونصيب
وعرفت نصيبي واتّبعت جماعتي
من فوق مبري الذراع نجيب
ما فوقه الا شربةٍ لي عن الظما
وجويعد غَزْلٍ يكون لبيب
اولاد رسلانٍ الى صاح صايح
هذاك مذبوحٍ وذاك عطيب
انا جيتكم من نجد حادين حادي
ولا ينفع اللازم بغير مصيب
الضيغمي: ابن رشيد حيث أن الرشيد ينتسبون
إلى الضياغم.
أي أنك كالبحر في كرمك وعطائك.
يخانق العذارى تطير في وقت الغارة.
عداه فداه ما حال: يدعو الشاعر أن يكون
أعداء ابن هذال فداء له (يقتلهم) قبل تمام
الحول· شيوخ ضده: الشيوخ المعادين له·
قطعها من مرازقها: بالإغارة عليهم وكسب
أموالهم.
الشاعر في هذا البيت يصف ما يحدث حينما
يغير الأعداء على الإبل ويصيح الرعاة
طلباً للنجدة، حينما يداهم الأعداء الإبل
في المرعى فيستعجلون أصحابها عن أسراج
خيولهم فيركبون عليها عرايا ليستردوا
الإبل من الغزاة· والضمير في الشطر الثاني
يعود على الخيل.
الشيخ: هو ابن هذال· الاهواة: الطعنة·
يمرقها: يشرد على فرسه· والمقصود بالشطر
الثاني هم الأعداء.
صمع جفال: حينما تخاف الخيل تجفل وتصر
آذانها وتبدو كأنها صمعاء· الفهد: حيوان
مفترس شبيه بالنمر· الجميلة: قطيع
الغزلان· يصف الشاعر فعل ابن هذال بخيل
الأعداء بأنها تفر من أمامه كما يفر سرب
الظباء أمام الفهد.
الضمير يعود على الخيل والظن هنا بمعنى
اليقين· أي إذا رأت الخيل ابن هذال أصابها
الذعر وأيقنت أنها لن تنجوا من طعناته.
البعض ينسب هذه القصيدة إلى مبارك البدري.
عادة تكون غارات السلب والنهب في الضحى
حينما تسرح الإبل إلى المرعى حيث تكون قد
فكت عقلها وحيزت إلى بعضها وجمعت كما أنها
تكون بعيدة عن الحي والرجال فيستاقها
الغزاة ويصيح الرعاة طلباً للنجدة· الضمير
في الشطر الثاني يعود إلى الخيل والمصراع
هو العنان.
هبة الريح: الشجاعة مع الحظ.
مهتش الغلب: الرمح، والغلب ريش النعام
الذي تزين به الرماح· النحانيح: الترائب،
الصدر· وتشبيه رقاب الخيل الطويلة بأنباع
النخيل صورة قديمة ورثها شعراء النبط عن
شعراء الجاهلية· يقول امرؤ القيس:
ومستفلك الذفرى كأن عنانه
ومثناته في رأس جذع مشذب
ويقول طرفة بن العبد:
وأنافت بهواد تلع
كجذوع شذبت عنها القشر
العلط: الرماح، كناية عن طولها· باوراك
المداريع: كناية عن هربهم· في البيت
الثالث نقا الشطير يطعن الأعداء في نحورهم
كناية عن إقدامهم أما في هذا البيت فهو
يطعنهم من خلفهم لأنهم ولوا الأدبار.
من عادة نساء البادية ولا سيما الكريمات
عقيلات المشائخ أنهن يستمعن إلى حديث
الرجال وما يدور في مجلسهم من نقاش
وكثيراً ما يبدين آرائهن حول بعض القضايا.
العقر: أذواد لا تعرض على الفحل فهي عاقرة
لا تلد· وذلك أشد لها وأكثر لشحمها
ولحمها.
هذا يذكرنا بموقف تركية بنت جدعان بن مهيد
من الشاعر خلف أبو زويد حينما مدح زوجها
سطام بن شعلان بقصيدته المشهورة التي
مطلعها:
يا راكب اللي كنها سلوعة ذيب
حمرا ولا عِمْر الحويّر غْذي به
إلى أن يقول:
يا شوق من عيّت على كل خِطّيب
اللي على كل الخلايق عصي به
بنت الذى وان سولفوا بالمعازيب
أبوه مصوّت للعشا بالجذيبه
مروي خشوم الفوس من شمخ النيب
اللي يعشّون العرب من حليبه
بمصافق العيرات: اصطدام الأقران وقت
الغارة.
تناس: من ناس، مثل ناش، وتعني بلغ، وصلع.
أي يحملون كل شيء ويتحملون جميع النوائب.
جو: منخفض من الأرض مستو· عيلم: بئر غزيرة
الجم.
أولاد رسلان هم فخذ الرسالين من قبيلة
السبعه العنزية.