الخلاوي حقيقة أم خيال؟
أصبح الخلاوي شخصية شعبية تتأرجح بين الحقيقة
التاريخية والخيال الأسطوري. فهنالك الكثير من
القصص التي تحاك حول شخصية الخلاوي ويتناقلها
الناس على أنها حقائق تاريخية إلا أن البحث
والمقارنة تثبت أن هذه القصص موغلة في القدم
تتوارثها الأجيال شفهياً عبر القرون. وهنا يبدأ
الشك يتسرب إلينا حول نسبتها إلى الخلاوي.
مثال ذلك ما ذكره الأستاذ عبدالكريم الجهيمان في
صفحة 45 - 46 من الجزء الثاني من كتابه "الأمثال
الشعبية في قلب جزيرة العرب" (الطبعة الأولى
1383هـ دار الثقافة) وما ذكره الأستاذ عبدالله بن
خميس في صفحة 126 - 127 من كتابه "الخلاوي"
(1392هـ دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر) من أن
البعض أرادوا أن يمتحنوا صدق الخلاوي وتثبته في
القول (وهذا بدون شك له علاقة بكون الخلاوي حاسباً
فلكياً يتوقع الناس منه تحري الدقة والصواب)
فتكلفت عجوز من العجائز بذلك. فدعت الخلاوي إلى
وليمة فلما حضر قدمت له أقراصاً قليلة من
"المراصيع" فأكل منها قليلاً وترك قليلاً - على
عادة أهل نجد. فلما انتهى سألته العجوز: هل شبعت؟
وكانت تتوقع أن تدفعه المجاملة إلى أن يقول نعم
شبعت فيرتكب بذلك جريمة الكذب لكن رده كان: (ما
أكلت خير ولا خليت خير)!
وحل الخلاوي مرة على قوم فلما هم بمغادرتهم
تظاهروا بأنهم يريدون الرحيل وشدوا على جمالهم ثم
أرسلوا من يعترض الخلاوي في طريقه ويسأله هل رحل
القوم؟ علماً بأنه بعد مغادرة الخلاوي لهم أنزلوا
حمولهم وأعادوا بناء بيوتهم حيث أن قصدهم هو مجرد
حمل الخلاوي على الكذب. لكن جواب الخلاوي لرسولهم
حينما سأله هل رحل القوم هو "شدوا ولا مدوا وراي
البدو بداوات" (أي قد يبدي لهم رأي فيغيرون
نيتهم).
حينما كنت أطالع في كتاب "أمثال العرب" للمفضل بن
محمد الضبي بتحقيق إحسان عباس "دار الرائد العربي
1401هـ" عثرت على هذا النص في صفحة 163.
زعموا أن رجلاً مضى في الدهر الأول كان له عبد لم
يكذب قط. فبايعه رجل ليُكَذِّبَنَّه، وجعلا الخطر
بينهما أهلهما ومالهما، فلما تبايعا قال الذي زعم
أن العبد يكذب لمولى العبد: أرسله فليبت عندي
الليلة فإنه يكذبك إذا أصبح، فأرسله مولاه معه،
فبات عنده، فأطعمه لحم حوار، وعمدوا إلى لبن حليب
فجعلوه في سقاء قد حرز فخضخضوا ذلك اللبن الحليب
فسقوه، وفيه طعم الحليب وفيه حرز السقاء. فلما
أصبح الرجل احتمل وقال للعبد: الحق بأهلك، فلحق
العبد حين احتمل القوم ولما يسيروا فلما توارى
عنهم العبد حلوا مكانهم في منزلهم الذي كانوا فيه.
وأتى العبد سيده فقال له ما قروك الليلة؟ فقال:
أطعموني لحماً لا غثا ولا سمينا. وسقوني لبناً لا
محضا ولا حقينا، قال: على أية حال تركتهم؟ قال:
تركتهم قد ظعنوا فاستقلوا، فما أدري أساروا بعد أو
حلوا: وفي النوى يكذبك الصادق فأرسلها مثلاً،
وأحرز مولاه مال الذي بايعه وأهله.