نصرالله وحزب الله
سعد الصويان
ولد
السيد حسن نصرالله عام 1960 لعائلة فقيرة من بلدة البازورية بالقرب من مدينة
صور. وبسبب ما كان يعاني منه الجنوب اللبناني من إهمال وحرمان، اضطر وهو صغير
إلى الهجرة مع عائلته إلى بيروت وأقاموا في منطقة الكرنتينا التي تقع على أطراف
المدينة وتعاني من البؤس والفقر. عمل منذ نعومة أظفاره مع والده عبدالكريم في
بيع الخضار والفاكهة، وكان والده يعلق على جدار متجره الصغير صورة موسى الصدر
فشب الطفل معجبا بالصدر وتأثر بمبادئه وأفكاره. عُرف عن نصرالله الجد والمثابرة
والالتزام الديني وكان من صغره طالبا نجيبا وقارئا نهما فهيما، وكان يتردد على
ساحة البرج لشراء الكتب الدينية من الباعة المتجولين الذين كانوا يفرشون كتبهم
على الرصيف.
اضطرته الحرب الأهلية في لبنان إلى العودة مع عائلته إلى بلدته البازورية وهناك
التحق بصفوف حركة أمل التي أسسها موسى الصدر وأصبح مندوبا للحركة في بلدته في
تلك السن المبكرة. وفي مدينة صور تعرف على عالم الدين الشيعي محمد الغروي الذي
ساعده في الذهاب إلى مدينة النجف للتفقه في المذهب الشيعي وحمّله كتاب توصية
إلى السيد محمد باقر الصدر. وفي النجف تتلمذ على عباس الموسوي، وهو لبناني شيعي
من البقاعية، وقد أصبح رفيق دربه. ولما بدأ حزب البعث العراقي بتشديد الخناق
على طلبة العلم الشرعي داهم حوزة الموسوي بقصد القبض عليه إلا أنه كان حينها في
لبنان ونجا من الاعتقال. هذا حدا بنصر الله أن يعود إلى لبنان والتحق بحوزة
بعلبك واستأنف ممارسة العمل السياسي والمقاوم ضمن صفوف تنظيم حركة أمل التي
كانت قد بلغت أوج قوتها آنذاك. وحصل على منصب مندوب الحركة في البقاع وهو لم
يبلغ بعد سن العشرين.
في
عام 1982 وقع الاجتياح الإسرائيلي للبنان وأدى ذلك إلى انشقاق حركة أمل إلى
تيارين، أحدهما يقوده نبيه بري ويطالب بالانضمام إلى "جبهة الإنقاذ الوطني"
والآخر أصولي معارض يقوده الموسوي ونصرالله ويعارض الانضمام إلى جبهة الإنقاذ
التي كانوا يعتبرونها سُلّما لإيصال بشير الجميل، الذي كانت تربطه علاقة وثيقة
مع إسرائيل، إلى رئاسة الجمهورية. كان ذلك الانشقاق هو النواة الأولى لظهور حزب
الله الذي أُعلن تأسيسه رسميا في 16 فبراير 1985، ويتزامن هذا التاريخ مع تاريخ
استشهاد الشيخ راغب حرب أحد قادة المقاومة في الجنوب اللبناني.
كان
سن حسن نصرالله آنذاك لم يتجاوز العشرين لذا فهو لم يتسلم مناصب قيادية حينها
واقتصرت مهامه على تعبئة المقاومين وإنشاء الخلايا العسكرية التي تشكلت منها
المقاومة ضد الوجود الإسرائيلي في الجنوب. واستمر نصرالله يصعد بسرعة في سلم
المسؤوليات حتى وصل إلى منصب المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات مجلس
شورى الحزب. لكن هذا المنصب لم يلبث أن آل إلى الشيخ نعيم قاسم وذهب نصرالله
إلى مدينة قم لاستئناف الدراسة. لكن لم تطل إقامته هناك حيث اضطرته الأحداث
والنزاع المسلح بين حزب الله وحركة أمل إلى العودة سريعا إلى لبنان. ولما انتخب
عباس الموسوي أمينا عاما لحزب الله عين نعيم قاسم نائبا له فعاد مرة أخرى إلى
نصرالله منصب المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات مجلس شورى الحزب.
وفي سنة 1992 آلت رئاسة الحزب إلى السيد حسن نصرالله بعد استشهاد عباس الموسوي
الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية وقتلته مع زوجته وإبنه. في تلك السنة قرر
الحزب دخول المعترك السياسي وشارك في الانتخابات النيابية وفاز بعدد من المقاعد
في البقاع والجنوب، وصار يزداد عدد مقاعده في الانتخابات النيابية اللاحقة حتى
وصل الآن إلى 14 مقعدا، أي ما نسبته 10% من مجموع مقاعد البرلمان اللبناني
البالغ عدد أعضائه 128 عضوا، إضافة إلى منصبان وزاريان في الحكومة. وشكل نواب
حزب الله كتلة داخل البرلمان اللبناني تسمى "كتلة الوفاء للمقاومة".
وللحزب جناح عسكري يسمّى المقاومة الإسلامية. ويقدر المركز الدولي للدراسات
الاستراتيجية أن قوة حزب الله العسكرية تبلغ ما بين 600 إلى 1.000 مقاتل في
الميدان وما بين 3000 إلى 4000 مقاتل تحت الطلب وحوالي 10.000 مقاتل احتياطي.
ويبلغ عدد ما تمتلكه من صواريخ كاتيوشا ما بين 10.000 إلى 15.000 من نوع فجر 3
وفجر5 وحوالي 30 قذيفة من نوع زلزال. وتعتمد تدريباتهم على حروب الاستنزاف
وسرعة الحركة وجمع المعلومات والمناورات الليلية.
ومنذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 استمرت المقاومة الإسلامية
بالمناوشات مع الجيش الإسرائيلي في منطقة مزارع شبعا التي احتلتها اسرائيل في
حربها مع سوريا سنة 1976. وتقع مزارع شبعا في أقصى الجنوب اللبناني ضمن الحدود
الرسمية للبنان لكن إسرائيل ترفض تسليمها للبنان بدعوي أنها منطقة متنازع عليها
بين لبنان وسوريا، وتستمر اسرائيل في احتلالها متذرعة بأنها قد تعود إلى سوريا
في نطاق تسوية حدودية بين لبنان وسوريا. قدم حزب الله أكثر من 2000 شهيد
في مواجهاته مع القوات الإسرائيلية، منهم ما لا يقل عن عشرة من قادة الحزب، بما
فيهم هادي الابن البكر لنصرالله الذي استشهد عام 1997 في مواجهات دارت
بين مقاتلي الحزب وبين القوات الإسرائيلية في منطقة جبل الرفيع جنوب لبنان.
بالإضافة إلى الدور العسكري الذي يلعبه حزب الله هناك جانب اجتماعي مدني يتمثل
في إقامة المستشفيات والمدارس ودور الرعاية، وجانب إعلامي يتمثل بمحطة تلفزيون
المنار ومحطة النور الإذاعية وجريدة "قبضة الله" الشهرية. كما ينفذ الحزب
العديد من المشاريع الإنمائية والاقتصادية تحت مسمى "جهاد البناء". يتبع الحزب
أربع مستشفيات و12 مستوصف و12 مدرسة ومركزان للإرشاد الزراعي لمساعدة الفلاحين
وتدريبهم. وتقدم هذه المؤسسات الصحية والتعليمية والفلاحية خدماتها بأجور رمزية
أو مجانية للفقراء. وفي الحرب الأخيرة حينما تعطلت أجهزة الدولة كان حزب الله
هو الذي يقوم بجمع القمامة وتوفير مياه الشرب. ومعظم التمويل لمشاريع حزب الله
يأتي من الزكاة والصدقات، إضافة إلى الدعم الإيراني.
اندلعت الأزمة الحالية بين لبنان وإسرائيل في 12 يوليو بعد أن قام حزب الله
بخطف جنديين إسرائيليين في عملية أطلق عليها الحزب اسم "الوعد الصادق0 "قُتل
فيها 8 جنود اسرائيلين وجُرح 21، وكان الهدف من العملية مقايضة الأسرى
الإسرائيليين بخمسة عشر أسيرا لبنانيا في السجون الإسرائيلية اعتقلتهم اسرائيل
أثناء احتلالها جنوب لبنان مما يعده الحزب خرقا للبند 118 من معاهدة جنيف. وفي
هذه الحرب الأخيرة تمكن حزب الله إلى حد ما من تحقيق نوع من توازن الرعب مع
اسرائيل بعد أن كبدها خسائر كبيرة وأصبح الإعلام الإسرائيلي يتحدث عن المعنويات
العالية لمجاهدي حزب الله.
وفي
مسح إحصائي أجراه مركز بيروت للأبحاث والمعلومات في 26 يوليو تبين أن 85% من
اللبنانيين يتعاطفون مع الحزب في حربه الأخيرة مع اسرائيل، وذلك بزيادة 29% عن
مسح سابق أجري في نوفمبر. وقد تبين من هذا الإحصاء الأخير أن 89% من السنة و
80% من المسيحيين ومثلهم من الدروز يؤيدون الحزب.
بينما تصنف الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وهولندا الحزب على أنه منظمة
إرهابية تفرق بريطانيا وأستراليا بين الذراع السياسي والذراع العسكري وتعتبر
الأخير منظمة إرهابية. أما الاتحاد الأوربي فلا يصنف الحزب كمنظمة إرهابية. أما
بالنسبة للقرار 1559 فإن قيادة حزب الله تقول إنه لا ينطبق عليها لأن القرار
يشير إلى نزع سلاح الميليشيات بينما هم حركة مقاومة وليسوا ميليشيا. كما أن خطف
الجنود الإسرائيليين الذي سبب الحرب الأخيرة لم يكن بالنسبة لحزب الله إلا حدثا
ضمن سلسلة أحداث متوالية من الاعتداءات والاعتداءات المضادة بينهم وبين القوات
الإسرائيلية منذ انسحاب هذه القوات من جنوب لبنان. فقد كانت اختراقات الخط
الأزرق مستمرة بين الطرفين، كما تؤكده ذلك قوات اليونيفيل، وكانت الطائرات
الإسرائيلية تخترق حاجز الصوت في الأجواء اللبنانية بشكل شبه يومي، فلماذا ترد
اسرائيل بهذه الطريقة الوحشية على هذا الحدث بالذات؟ يقول حزب الله إن هذا
العدوان عدوان مبيّت ينتظر الفرصة الملائمة. فقد نشرت جريدة
The San Francisco Chronicle
أنه في العام الفائت قدم مسؤول عسكري اسرائيلي رفيع لبعض الساسة والعسكريين
والإعلاميين الأمريكيين خطة للهجوم على لبنان والقضاء على حزب الله في مدة لا
تتجاوز 3 أسابيع تبدأ بهجوم جوي وتنتهي باجتياح بري. وأكد
Gerald Steinberg
أستاذ العلوم السياسية في جامعة بارإيلان في اسرائيل للصحيفة أن اسرائيل منذ
حرب 1948 لم تكن أكثر استعدادا وتأهبا لدخول الحرب منها الآن. وفي بداية الحرب
صرح مسؤول اسرائيلي رفيع لجريدة Washington Post
أن هجوم حزب الله قدم لإسرائيل فرصة ذهبية لسحقه والقضاء عليه. كما قال
John Kampfner
محرر جريدة The New Statesman
أن عددا من المسؤولين الأمريكيينن أكدوا له أن الحكومة الأمريكية كانت على علم
مسبق بنوايا اسرائيل وسربت هذه المعلومة إلى الحكومة البريطانية.
|