رايات الإصلاح بدأت ترفرف
سعد الصويان
لقد
بدأنا منذ فترة نلمس ثمرات الخطوات الإصلاحية التي دشنها الملك عبدالله بن
عبدالعزيز والتي انعكست آثارها الإيجابية ليس فقط في الحياة العامة بل حتى في
بيوتنا وحياتنا الخاصة. بدأنا نشعر بارتفاع سقف الحرية الشخصية واتساع مساحة
الرأي وحرية الكلمة في الإعلام المقروء بشكل لم يعهده المواطن السعودي من قبل.
وقد لمسنا ذلك بشكل ملحوظ في وقائع جلسات الحوار الوطني. وآخر ما لفت انتباهي
بهذا الخصوص تصريح معالي وزير الثقافة والإعلام بإيعازه بعدم مصادرة الكتب
الشخصية التي يحضرها القادم معه مهما كان موضوعها إن لم تشكل خطرا حقيقيا
ملموسا على أمن الوطن. ونأمل أن ينعكس هذا الانفتاح الإعلامي والثقافي ويتسع
مداه ليشمل أجهزة الدولة الإعلامية المرئية والمسموعة من إذاعة وتلفزيون بما
تقدمه من برامج ثقافية وترفيهية وحوارات فكرية. كما نأمل أن يحذو معالي وزير
التعليم حذو وزير الثقافة بحيث يستطيع المدرس تدريس النظريات العلمية والآراء
النقدية والمدارس الفكرية بحيادية وموضوعية، حسب ما تمليه الأعراف الأكاديمية
العريقة والممارسات التعليمية الصحيحة، دون خشية أن يهب أحد الطلاب الفاشلين
بكتابة التقارير ضده واتهامه بالتجديف ضد العقيدة أو الدولة.
يتوقع الكثير من المحللين والمراقبين أن يكون العام 2006 عام الإصلاحات المهمة
وأن الانطلاقة الحقيقية للإصلاح تبدأ مع بداية هذا العام. لكن العد العكسي
لبداية الإصلاح في السعودية بدأ حقيقة وبصورة ملموسة من العام 2005. وقد سبق
ذلك كله خطوات تحديثية أخرى تمثلت في إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني
عام 2003 تلاه في عام 2004 تأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. علينا أن
نعترف بأن جملة ما تحقق من إنجازات في العام المنصرم يشكل قفزة كمية ونوعية لا
بأس بها أشاعت جوا من الثقة والإطمئنان والتفاؤل بمستقبل واعد. ويصعب جرد
الإصلاحات التي تمت في العام الفائت لكن لعل الحدث الأبرز كان انضمام المملكة
لمنظمة التجارة العالمية، بما تطلبه ذلك من إعادة هيكلة لنظمنا الاقتصادية
والإجراءت القضائية. وهناك إنجازات أخرى تصب في مسيرة الإصلاح وإن كان البعض
يغفل ذكرها عند الحديث عن هذا الموضوع ليس أقلها فتح باب الابتعاث للطلاب
للدراسة في الخارج بأعداد كبيرة، إضافة إلى افتتاح العديد من الجامعات الإضافية
في مختلف مناطق المملكة.
سيذكر التاريخ لعام 2005 أنه العام الذي بدأت فيه ممارسة الانتخابات في
السعودية والعام الذي دخلت فيه المرأة السعودية لأول مرة معترك الحياة السياسية
والترشّح لمناصب عامة ومراكز قيادية. ويركز البعض على الانتخابات البلدية
وينسون انتخابات الاتحادات الرياضية واتحاد المهندسين. ويتطلع الجميع إلى أن
تتوسع قريبا دائرة العملية الانتخابية لتشمل، ولو جزئيا، مجلس الشورى والمناصب
الأكاديمية في الجامعات والجمعيات العلمية والمهنية على أمل أن يقود ذلك إلى
السماح بتأسيس النقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني. وعلى المستوى
الاقتصادي لا ننس تزايد وتيرة التخصيص وطرح العديد من المنشآت الاقتصادية
للاكتتاب العام. التخصيص يعد مؤشرا على تحول اقتصادي هام وعلى بداية عهد جديد
وعقلية جديدة في الاستثمار. لقد بدأت الدولة ترخي من قبضتها على مفاصل الاقتصاد
ومصادر الدخل القومي وتمنح الفرصة للمواطنين لمشاركتها في تحمل هذه المسؤولية
وإدارة هذه المؤسسات وتمويلها، وهذه بداية التحول من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد
رأسمالي حقيقي. التخصيص والمساهمات خطوات فعالة نحو توسيع القاعدة الاقتصادية
والعدالة في توزيع الثروة، وفي المشاركة الشعبية في تمويل مشاريع التعمير
والبناء، وفي خلق طبقة وسطى تحفظ التوازن الاجتماعي والاستقرار السياسي.
الشراكة الاقتصادية هي الخطوة الأولى نحو الشراكة السياسية.
لا
شك أن إصلاح المؤسسات الاقتصادية وإعادة هيكلتها يشكل قاعدة قوية للإقلاع
التنموي والانطلاق من دائرة العالم الثالث إلى دائرة العالم الثاني. لقد بدأت
هذه الإصلاحات الاقتصادية تتدحرج وتتراكم وتكبر مثلما تكبر كرة الثلج، وهذا مما
يكسبها زخما قويا ويعطيها قوة دفع ذاتية ويمنح المؤسسات الاقتصادية مناعة
تلقائية تحد من قابلية الانتكاسات وتحصنها ضد التراجعات. ومع التأكيد على أهمية
الاقتصاد في بناء الدول، إلا أن القفزة النوعية التي يمكن أن تنقلنا إلى دائرة
العالم المتحضر لن تتحقق إلا بإجراء إصلاحات جذرية وعميقة في مختلف مؤسساتنا
التعليمية، الأكاديمية منها والفنية، بنين وبنات. الرتوش والجراحات التجميلية
في هذا المجال وحذف جمل وعبارات من هنا وهناك في بعض المقررات لن تفيد شيئا
البتة. إننا بحاجة إلى إعادة نظر جادة في سياساتنا وأهدافنا وبرامجنا ومناهجنا
التعليمية برمتها. نريد برامج تعليمية تنقل الأجيال القادمة، حيث قد فات الأوان
على هذا الجيل، إلى العصر الحديث، عصر الاختراعات والاكتشافات والتكنولوجيا
الرقمية وريادة الفضاء، عصر التفكير العلمي والمنطقي. نريد علما حقيقيا ينقلنا
من عصور النقل إلى عصر العقل ومن ذهنية الحفظ والتلقين إلى ذهنية النقد
والتحليل. المعرفة العلمية هي التي تحولنا من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع منتج
وهي التي تحمي ما يتحقق لنا من المكتسبات السياسية والاقتصادية وتجعل منها
مكتسبات لها صفة الديمومة والتنامي.
ومن
الأزمات التي تسبب احتقانا وتوترا في مجتمعنا والتي لا بد أن نجد لها حلا عاجلا
قضية وضع المرأة ودورها في المجتمع. هذا الوضع الشاذ هو المسؤول عن الكثير من
أزماتنا ليس الاجتماعية فقط بل حتى الأزمات النفسية والسلوكيات العصابية التي
يعاني منها الأفراد، رجال ونساء. تكريم المرأة واحترامها وصيانة حقوقها ودمجها
في الخطط التنموية ستكون من المؤشرات الحقيقية على تجاوزنا عصر التخلف ودخولنا
عصر الحضارة والمدنية. إن كان لدينا اهتمام حقيقي وصادق بحقوق الإنسان فينبغي
لنا أن لا ننسى بأن المرأة هي إنسان، إنها الأم التي تنجب هذا الإنسان وتربيه
وتساهم في تكوين هويته وتشكيل شخصيته، إنها العجلة الأخرى التي تدفع عربة
المجتمع وتدفع بها إما إلى الأمام أو إلى الخلف. المرأة هي التي تلد الأنبياء
والقديسين والفلاسفة والعلماء والمفكرين والمصلحين. عدم التعامل العقلاني مع
هذه القضية المحورية سوف يعيق طموحنا نحو التحديث والعصرنة ونحو تحقيق تنمية
شاملة متكاملة. لو استطعنا أن نحل هذه العقدة لانفرجت الكثير من المعضلات التي
تبدو مستعصية. لو تمكنا من القفز على هذه العقبة الكأداء وتجاوزناها لانفتحت
أمامنا أبواب التحضر وانداحت طرق الرقي والتقدم. ومن يصغي بانتباه إلى تصريحات
الملك عبدالله في لقاءاته التلفزيونية يدرك أن هذه أحد القضايا التي تشغل باله
ويبحث لها عن مخرج حكيم يحل المشكلة ويتقبله المجتمع في نفس الوقت.
هناك بعض الآراء التي تروج لفكرة أن الضغط الأمريكي، إضافة إلى انضمام المملكة
لمنظمة التجارة العالمية، هي الدوافع الحقيقية التي دفعت بالمملكة مكرهة إلى
تبني هذه الخطوات الإصلاحية. ولا يجوز لنا أن ننكر أن لهذه العوامل أثرها، فمن
طبيعة المجتعات الإنسانية أنها تؤثر وتتأثر بغيرها. لكن من يتفحص الوضع الداخلي
عن كثب سوف يلمس بجلاء أن الدافع الأقوى للإصلاح كان نابعا من قناعات الملك
عبدالله الذاتية وأنه متسق مع تكوينه الذهني ومزاجه الشخصي وحرصه الشديد على
مصلحة الوطن والمواطنين. فقناعاته القوية، حفظه الله، هي التي أهلته لقيادة
الحركة الإصلاحية. ويتضح من أحاديثه العامة ومن لقاءاته مع مختلف القطاعات
الاقتصادية والفعاليات الاجتماعية حرصه الشديد على دفع حركة الإصلاح وأنه يمتلك
رؤية واضحة وبرنامجا محددا يعمل على تنفيذه وفق مراحل مدروسة ومتدرجة، وقد قام
فعلا باتخاذ العديد من القرارات الحاسمة والمواقف الشجاعة في هذا الاتجاه. سوف
يسجل التاريخ للملك عبدالله أن عهده هو عهد الإصلاحات الجذرية في نظام الحكم
وأجهزة الدولة والبنية الاقتصادية والاجتماعية. ومن دلائل توفيق الله له ورضاه
عنه أن من عليه وعلى المملكة بطفرة اقتصادية غير مسبوقة ستكون عونا له على
تحقيق ما يصبو إليه من إنجازات مبهرة وخدمات جليلة للملكة. وفوق ذلك إجماع
الشعب على حبه والولاء له وثقتهم بقيادته وحكمته ونفاذ بصيرته. ومن حقه علينا
جمعيا أن نخلص له المشورة ونمحضه النصح وأن نصطف وراءه نعينه ونعضده على تحمل
مسؤوليات النهوض بهذا الوطن.
|